عيناوي وافتخر المدير
عدد المساهمات : 109 نقاط : 5916 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 02/01/2010 العمر : 28 الموقع : دلما
| موضوع: التعامــــل الدبلوماســـــــي" في الإســـــــــــــــــــــــلام السبت يناير 09, 2010 1:02 pm | |
| إن الكتب التاريخية التي تركها لنا العرب تؤكد وجود التعامل الدبلوماسي لديهم في عصر الجاهلية ولا سيما بعد بزوغ فجر الإسلام الذي حارب هذه الجاهلية، وأنه كان سائدا بين الدول الإسلامية والدول الأجنبية، كما أن العرف الدولي النافذ والشرع الإسلامي كانا يقرانه ويؤيدانه.
في الجاهلية كانت القبائل ترسل الوفود لتقديم التهاني، أو التعازي، أو للتشاور ، أو التفاوض أو التحالف على النجدة (أي المساعدة المتبادلة) أو ترتيب حفلات زواج الملوك ورؤساء القبائل، وحمل الهدايا النفيسة. وكانت كلمة ( سفارة) وظيفة معروفة في مدينة مكة، إذ كانت تتولى تمثيل القبيلة في شؤون الصلح بعد القتال، أو التفاوض مع سائر القبائل، أو في مجالات المفاخرة. وكانت هذه الوظيفة لبني عدي وهم من بطون قريش وقد تولاها قبل الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبعد بزوغ فجر الإسلام، تولى الرسل نشر الدعوة الإسلامية، أو تبليغ الإنذار قبل بدء القتال، أو تسوية القضايا المتعلقة بإنهاء القتال، كوضع شروط الهدنة أو الصلح أو تبادل الأسرى أو تحريرهم بعد دفع فديتهم.
ولقد ذكرت المصادر التاريخية أن النبي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أوفد عددا من الرسل إلى بعض الملوك والأباطرة كالنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر والأسكندرية، وكسرى ملك فارس، وهرقل إمبراطور الروم. وكانوا يحملون معهم كتبا متوجة بعبارة (سلام على من اتبع الهدى)، يدعوهم فيها النبي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى اعتناق الإسلام. وكانت أجوبة معظمهم مشبعة بروح اللطف واللباقة والتهذيب، وتنطوي ضمنا، على الاعتراف بالدولة الإسلامية. وقد شذّ عن هذا السلوك ابن هرمز، كسرى فارس، الذي مزّق الكتاب المرسل إليه، معلنا بذلك إعلان الحرب على المسلمين. وكذلك أوفد الرسول عليه الصلاة والسلام رسلا إلى كثير من رؤساء القبائل العربية، كالمنذر بن ساوى ملك البحرين، وجيفر الجلندي ملك عمان وأخوه عبد، وهودة بن علي صاحب اليمامة، والحرث بن أبي شمر الغساني، فقبل معظمهم الدعوة واعتناق الاسلام.
وسار الخلفاء بعد وفاة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام على خطاه، إذ كانوا يرسلون الكتب والبعثات الدبلوماسية التي تولت في العصور اللاحقة التفاوض بشأن عقد معاهدات تجارية، أو تسوية الخلافات والمنازعات وما إلى ذلك.
وكان العرف المتبع في الدولة الإسلامية يقضي بتكريم الرسل وإكرامهم، وإحاطتهم بالمزيد من الحفاوة عند قدومهم ولدى مغادرتهم البلاد، وإقامة الزينات الرائعة والمواكب الفخمة المقرونة بمظاهر الترف والأبهة؛ بقصد إظهار عظمة الدولة ومدى قوتها أمام الموفدين وحملهم على نقل انطباعاتهم هذه إلى من أوفدهم من ملوك وأباطرة.
وقد أولى الخلفاء العباسيون هذه المظاهر والمراسم اهتماما بالغا.. إذ كانوا يكلفون أحد قواد الجيش، أو أحد القضاة باستقبال الرسل، كما كانوا يحثون الناس على الاشتراك في الاستقبال بمواكب كبيرة، للإعراب عن ترحيبهم بهذه الزيارة. وهذا الإحتفاء يماثل ما يجري حاليا لدى استقبال رؤساء الدول الصديقة.
وجرت العادة أيضا، بأن يحل الرسول في دار الضيافة التي كانت تسمى ( دار صاعد ) ثم يقابل الوزير المختص ليعين له موعدا لمقابلة الخليفة. وكان يقدم للخليفة أثناء المقابلة، كتابا يدعى (الجواز)، الذي يعتبر بمثابة كتاب الاعتماد في عصرنا الحالي، كما يقدم له ما يحمله من الهدايا، ويتسلم منه بالمقابل الهدايا الثمينة له ولموفده. وقد روى (الخطيب البغدادي) وصفا رائعا لاستقبال الخليفة العباسي المقتدر لرسل الروم في بغداد، وأورد( ابن خلدون والمقري) وصفا لاستقبال عبد الرحمن الناصر في قرطبة لرسل ملك الروم قسطنطين بن ليون، كما ذكر غيرهم حفلة استقبال الملك العاضد، آخر خلفاء الفاطميين لرسل الملك الفرنجي (آموري).
وقد تجلّى في جميع هذه المناسبات ما اتصف به العرب والمسلمون من كرم أصيل وتكريم بالغ لضيوفهم.
| |
|